هذا الموضوع تكملة لسابقه تم نشره بالأمس , وقد وجدت أنه
حذف مع مواضيع أخرى نشرت على هذا القسم .
الحمد لله ولا يحمد
سواه
يا أحباب رسول الله , هذا هند بن أبي هالة يصف لنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم فيقول :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل
الأحزان , دائم الفكرة , ليست له راحة , ولا يتكلم في غير حاجة , طويل
السكوت , يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه , ويتكلم بجوامع الكلم , فصلا لا
فضول فيه ولا تقصير , دمثا ليس بالجافي ولا بالمهين , يعظم النعمة وان دقت ,
لا يذم شيئا , ولم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه , ولا يقام لغضبه اذا تعرض
للحق بشئ حتى ينتصر له, لا يغضب لنفسه , ولا ينتصر لها , واذا أشار أشار
بكفه كلها , واذا تعجب قلبها , واذا غضب أعرض واشاح , واذا فرح غض طرفه ,
جل ضحكه التبسم , ويفتر عن مثله حب الغمام .
وكان يخزن لسانه الا
عما يعنيه , يؤلف أصحابه ولا يفرقهم , يكرم كريم كل قوم , ويوليه عليهم ,
ويحذر الناس , ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره . يتفقد أصحابه
, ويسأل الناس غما في الناس , ويحسن الحسن ويصوبه , ويقبح القبيح ويوهنه ,
معتدل الأمر و غير مختلف , لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا, لكل حال
عنده عتاد , لا يقصر عن الحق , ولا يجاوزه الى غيره , الذي يلونه من الناس
خيارهم , وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة , واعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة
ومؤازرة .
كان لا يجلس ولا يقوم ا لا على ذكر , ولا يوطن الأماكن ,
اذا انتهى الى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك , ويعطي كل جلسائه
نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه , من جالسه أو قاومه لحاجة
صابره حتى يكون هو المنصرف عنه , ومن سأله حاجة لم يرده الا بها أو بميسور
من القول , وقد وسع الناس بسطه وخلقه , فصار لهم أبا , وصاروا عنده في
الحق متقاربين , يتفاضلون عنده بالتقوى , مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة
, لا ترفع فيه الأصوات , ولا تؤبن فيه الحرم , يتعاطفون بالتقوى , يوقرون
الكبير ويرحمون الصغير , ويرفدون ذا الحاجة , ويؤنسون الغريب .
كان
دائم البشر , سهل الخلق , لين الجانب , ليس بفظ ولا غليظ , ولا صخاب ولا
فحاش , ولا عتاب ولا مداح , يتغافل عما لا يشتهي ولا يقنط منه , قد ترك
نفسه من ثلاث : الرياء والإكثار وما لا يعنيه , وترك الناس من ثلاث : لا
يذم أحدا ولا يعيره , ولا يطلب عورته , ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه .
إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير , وإذا سكت تكلموا , لا
يتنازعون عنده الحديث , من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ , حديثهم حديث
أولهم , يضحك مما يضحكون منه , ويعجب مما يعجبون منه , ويصبر للغريب على
الجفوة في المنطق , ويقول : إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فأرقدوه, ولا
يطلب الثناء إلا من مكافئ .
يا أحباب رسول الله , أي من العالمين
يستطيع أن يدرك عمق المسائل ؟ وكنه الأمجاد والشمائل ؟ أي من المنصفين يسبر
غور الحقيقة , ويقنع بها الأمم العدوة والصديقة .
يا أحباب رسول
الله , هذا نبيكم . أعظم بشر في الوجود , قد وفاكم بالوعود , وضمن لكم في
جنات عدن الخلود , يوم المصير الموعود , هذا نبيكم ..... استضاء بنور ربه
الكريم , وشهد له أنه على خلق عظيم .